أحدث المقالات

تأصيل فقهي لمسألة تأخير القيام لأخر الليل جماعة

تأصيل فقهي لمسألة تأخير القيام لأخر الليل جماعة
المؤلف د. أَبو محمد الموصلي
تاريخ النشر
آخر تحديث



تأصيل فقهي لمسألة تأخير القيام لأخر الليل جماعة.

    قد ينكر البعض تأخير القيام لأخر الليل جماعة ويحتج بقول الإمام الألباني رحمه الله عندما سئل عن ذلك بأَنَّهُ بدعة.

ولا بد قبل الجواب أن نذكر أثر عمر رضي الله عنه في هذا الباب وننطلق منه : 
 ✓ ففي البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: "خرجتُ مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون؛ يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال: (والله إني لأرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل)، ثم عزم فجمعهم على أُبَيَّ بن كعب، قال: ثم خرجتُ معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: (نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون).

فقوله: (والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون)، أي الصلاة في جوف الليل جماعة - وهي التي ينامون عنها - أفضل من الصلاة في أول الليل، ولو كانت جماعة؛ وذلك لاجتماع الفضيلتين؛ فضيلة الجماعة وفضيلة الوقت.
فإذا تعارضت الفضيلتان تقدم فضيلة الجماعة .
وعليه؛ فأَحوال ومراتب الصلاة في قيام الليل أربعة:

الحالة الأولى : الجماعة في أخر الليل، وهي الأفضل بدليل قول عمر رضي الله عنه: (والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون).

الحالة الثانية: الجماعة في أول الليل وهي وصفها عمر بنعمة البدعة، وسماها الإمام أحمد بقوله: (سنة المسلمين أحبُّ إليَّ).

الحالة الثالثة: الانفراد في أخر الليل، وهي دونهما في الفضل؛ لأن مراعاة الجماعة أفضل من مراعاة الوقت؛ ولهذا قال الامام أحمد لما قيل له: يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده؟! قال: يصلي مع الناس. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته"، ثم قال أبو داود: "قيل لأحمد وأنا أسمع: يؤخِّر القيام - يعني التراويح - إلى آخر الليل؟! قال: لا، سنة المسلمين أحبُّ إليَّ). ذكره أبو داود في [المسائل/62)

الحالة الرابعة: وهي أدنى الأحوال والمراتب؛ وهي الانفراد في أول الليل؛ وذلك لفوات فضيلة الجماعة والوقت.

فإن قيل: كان الصحابة رضي الله عنهم يعلمون ذلك، ولم ير أحدٌ منهم أن تقام صلاة التراويح جماعة في آخر الليل، بل بقي الأمر على ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ولو كانت صلاة التراويح جماعة في أخر الليل أفضل لبادر الصحابة إلى تأخيرها إلى ذلك السحر .
فالجواب: أنه لا يلزم من الأفضلية أن يفعلوا ذلك؛ فتأخير العشاء عن أول وقتها أفضل كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة، ومع ذلك لم يشرع ذلك لهم، لأن اجتماع عامة المسلمين في آخر الليل فيه مشقة وحرج عليهم، فراع الشرع الحكيم الرحيم ذلك. ثم أن المصالح العارضة والمترتبة على اجتماع الناس في القيام أول الليل قد تكون أكثر من اجتماعهم في آخره؛ وليس لذات الصلاة في هذا الوقت الشريف. فضلا عن مراعاة الموانع التي تعترض القيام أخر الليل.

وأما قول العلامة الألباني رحمه الله تعالى كما في [سلسلة الهدى والنور/ الشريط (719)]:

السائل: ما يحدث الآن يا شيخ في رمضان في العشر الأواخر؛ يقسِّمون الصلاة صلاة القيام في أول الليل وفي أخره، وأصبح هذا يعني نظام دائم؟
فأجاب الشيخ رحمه الله: بدعة.
السائل: كيف يكون؟ يعني إذا أردنا أن نقيم السنة ونخفِّف عن الناس فكيف نفعل؟
الشيخ رحمه الله: تفكرون كما قال عمر: والتي يؤخِّرونها أفضل، يعني هو أمر أبي بن كعب أن يقيم صلاة القيام بالناس بعد صلاة العشاء ففعل، ولما خرج يتحسس قال: "نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل".
السائل: يعني يبقى الحال على ما هو قبل العشر؟
الشيخ رحمه الله: أي نعم.

فالجواب عنه أن يقال بأن كلام الشيخ عن تقسيم الصلاة قسمين لا عن تأخيرها بالجملة. ومع ذلك لا يسلم له هذه القول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء عن جبير بن نفير عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (صمنا مع رسول الله رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر، حتى بقي سَبْعٌ فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شَطْرُ الليل، فقلتُ: يا رسول الله لو نَـفَّـلتنا قيام هذه الليلة، فقال: (إنَّ الرجل إذا صلَّى مع الإمام حتى ينصرف حُسِبَ له قيام ليلة)، فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفَلاح. قال جبير: قلتُ: ما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر). أخرج أصحاب السنن وغيرهم.

فقد ثبت من نص الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى أول الليل وأوسطه وأخره، ولا يكون قطعا فعله صلى الله عليه وسلم بدعة؛ لأَنه هو مشرع السنة وصاحبها.

والتقسيم أمر يرجع إلى المصلي نفسه وما يراه مما يناسب ظرفه ونشاطه، وفي الحديث : (صلاة الليل مثنى مثنى) فالليل كله محل للصلاة فمن شاء صلى أوله، ومن شاء صلى وسطه، ومن شاء صلى أخره، ومن شاء قسم ذلك في جميع هذه الأوقات. وكل ذلك جائز فعله، وإن كان فعل ذلك في رمضان خلاف الأولى، ولكن لا أجرؤ على القول بالتبديع، ولا أملك حق ذلك كالإِمام الأَلباني رحمه الله؛ لأَنهُ إِمامٌ عالمٌ مجتهدٌ، وأما أنا فمن طلابِ طلابه. واللهُ الهادي إلى سواء السبيل.

د. أبو محمد الموصلي

تعليقات

عدد التعليقات : 0