أحدث المقالات

سورة الملك وعلوم البلاغة

سورة الملك وعلوم البلاغة
المؤلف د. أَبو محمد الموصلي
تاريخ النشر
آخر تحديث



سورة المُلك وعلوم البلاغة
-----------------------------------
     قَالَ تَعَالَى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ، وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ سُوْرَةُ الْمُلْكِ. 

     تَأَمَّلْتُ هَذِهِ الآيَاتِ مِنْ سُوْرَةِ الْمُلْكِ فَوَجَدْتُ فِيْهَا إِشَارَةً إِلَىْ عُلُوْمِ البَلَاغَةِ الثَّلاثَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، وَجَعَلَهَا طِبَاقَاً؛ أَيْ: بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ كَالطِّبَاقِ، طَبَقَاً فَوْقَ طَبَقٍ، وَهَكَذَا شَأْنُ عِلْمِ البَلَاغَةِ (أَنْ يُطَابِقَ الكَلَامُ لِمُقْتَضَى الحَالِ).

1) وَفِيْهَا إِشَارَةٌ إِلَىْ عِلْمِ الْمَعَانِي؛ وَهُوَ (عِلْمٌ يُعرَفُ بِهِ أَحْوَالٌ اللَّفْظِ العَرَبِي الَّتِي بِهَا يُطَابِقُ مُقْتَضَى الحَالِ). 

2) وَأَمَّا قَوْلُهُ: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)؛ فَفِيْهِ إِشَارَةٌ إِلَىْ عِلْمِ البَيَانِ؛ فَإِنَّهُ (عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ إِيْرَادُ الْمَعْنَى الوَاحِدِ بِطُرُقٍ مُخْتَلَفَةٍ فِيْ وُضُوْحِ الدَّلَالَةِ)، وَكَذَلِكَ هَذِهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ كَيْفَمَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا، وَمِنْ أَيِّ جِهَةٍ ذَهَبْتَ إِلَيْهَا فَلَنْ تَرَى فِيْهَا غَيْرَ هَذِهِ الْمُطَابَقَةِ، فَلا تَفَاوُتَ فِيْهَا، وَلا اخْتِلَافَ بَيْنَهَا، وَمَهْمَا حَاوَلْتَ، وَكَيْفَمَا نَظَرْتَ، فَإِنَّ مُحَاوَلاتِكَ سَتَفْشَلُ، وَبَصَرَكَ سَيَنْقَلِبُ عَلَيْكَ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ.

3) وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ)؛ فَفِيْهِ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلَىْ عِلْمِ البَدِيْعِ؛ فَإِنَّ تَزْيِيْنَ اللهِ لَهَا بَعْدَ مُرَاعَاتِهَا لَهَا بِالْمُطَابَقَةِ هُوَ حَقِيْقَةُ عِلْمِ البَدِيْعِ؛ فَإِنَّهُ (عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ وُجُوْهُ تَحْسِيْنِ الكَلَامِ، بَعْدَ رِعَايَةِ تَطْبِيْقِهِ عَلَىْ مُقْتَضَى الحَالِ وَوُضُوْحِ الدَّلَالَةِ)، بَلْ إِنَّ فِيْ قَوْلِهِ: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ)؛ إِشَارَةً إِلَىْ قِسْمَيْ عِلْمِ البَدِيْعِ: الْمُحَسِّنَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْمُحَسِّنَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ؛ فَقَوْلُهُ: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ)؛ إِشَارَةٌ إِلَىْ الْمُحَسِّنِ اللَّفْظِيِّ الذَّاتِيِّ، وَقَوْلُهُ: (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ)؛ إِشَارَةٌ إِلَىْ الْمُحَسِّنِ الْمَعْنَوِيِّ الْمُتَعَدِّي. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

د. أبو محمد الموصلي

تعليقات

عدد التعليقات : 0