-------------------------------
نص القاعدة :
✓ كل عضو واحد في جسم الإنسان يكون مذكراً؛ كالرأس والأنف واللسان والبطن والقلب والكبد وغيرها .
✓ وكل عضوين من جنس واحد يكون مؤنثاً؛ كاليدين والكفين والقدمين والساقين والأذنين والفكين والمنخرين وغيرهما .
وههنا فوائد :
الفائدة الأولى : دليل هذه القاعدة من قوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين)؛ وهو دليل عكسي الاستدلال طردي الاستعمال؛ فلما كان للمرء عضوان متشابهان استحقا اسم واحد يصلح لكليهما، فهو مشترك بينهما، لكل منهما النصف فيه، في حين استحق العضو المفرد اسما خاصا كاملا لوحده، فدل ذلك على أَنَّ لهُ في التسمية حظ الأُنثيين، وهو المطلوب .
الفائدة الثانية : في قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) . فذكر الحكم العام بعد الخاص، وذكر القاعدة بعد الوصية، ومن يتأمل فيهما يجد أن الوصية شرعية، والحكم كوني شرعي، وهذا كقوله تعالى : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)، فأمر الله بالعدل والإحسان الشرعي، وأمرهما هو كوني؛ فالعدل قامت به السماوات والأرض، والإحسان كتبه الله على كل شيء، فكل ما أمر الله بها شرعا فهو مكوَّنٌ كوناً .
وعليه؛ فإن قاعدة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) قاعدة كونية في أَشياء كثيرة منها اللغة عموما ولغة الأعضاء على وجه الخصوص .
ولعل في خلق الله تعالى أَدلة وشواهد أُخرى على ذلك؛ فتأمل لتتوصل .
الفائدة الثالثة : ومما سبق يعلم الجواب عن حكم عطية الأَب لأَولادهِ في غير النفقة والحاجة هل يعطون بالتساوي (للذكر مثل الأنثى) أَم بالعدل (للذكر حظ الأنثيين)، فالقول بأن القاعدة مخصوصة بتركة الميت وميراثه يقتضي القول بالتسوية في العطية بين الأَولاد، والقول بأن القاعدة كونية عامة كما أَسلفنا فيقول بأَن الواجب أن تكون العطية بحسب القاعدة .
وهذا ما رجحه ابن عثيمين خلافا للألباني، فقال رحمه الله تعالى : " الأَولاد يعطون على حسب ما ذكر الله عزّ وجل في كتابه في إرثهم: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ)، ولا شك أنه لا أَعدل من قسمة الله عزّ وجل، ومن قال: إن هناك فرقاً بين الحياة والممات، فإنه يحتاج إلى دليل على ذلك، فنقول: هم في الحياة وبعد الممات سواء " انتهى من "الشرح الممتع" (11/80) .
فالشيخ احتج بعموم القاعدة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) في باب العطاء، واللغة احتجت بها في باب الأَعضاء، ونحن نرى حجيتها عامة في جميع الكون، إلا أن يأتي مخصص خارجي عنها كالنفقة على الأولاد، والعطية لهم في غير النفقة، فأني في مثل هذه المسألة الأخيرة أُرجح ما ذهب إليه الشيخ الألباني رحمه الله في وجوب التسوية في العطية بين الاولاد، لخصوص الحديث في ذلك، والله أعلم .
الفائدة الرابعة : ومن فوائد إعمال عموم القاعدة يتضح لنا سبب بدءِ قوله تعالى في آية النكاح بقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ) النساء/٣ .
فالرجل أَول ما يجب عليه عدلاً أَنْ ينكحَ اثنتين من النساء؛ لعموم قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ)، هذا إن كان قادراً غير خائف من عدم العدل بينهن، فالقدرة شرط أصلي عام في النكاح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ..)، وعدم الخوف شرط في التعدد؛ لقوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، أَي فمن كان قادرا غير خائف من الجور فالواجب عليه أن ينكح مثنى من النساء وهو أقل الواجب الشرعي، والعدل الكوني، ولكن هذا العدل الواجب سقط عن كثير من الرجال بسبب الخوف أو عدم القدرة .
∆ فمن لم يتزوج (اثنتين)؛ فهو إِما عاجز أَو خائف، وأَحلاهما مر .
والشاهد أن الآية بدأت بنكاح الـ(مثنى) من النساء؛ لأنها تتفق مع قاعدة العدل الكونية (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ)؛ ولذا قال بعدها (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، فدل ذلك على أن نكاح المثنى من النساء هو من باب العدل الكوني، فضلا عن العدل الشرعي .
وتأمل قوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، فإنه سبحانه وتعالى لم يذكر المتعلق (بين النساء) في هذا المقام، ليدلنا على أن العدل ههنا نوعان :
- عدل شرعي بين النساء .
- عدل كوني (للذكرِ مثل حَظِّ الأنثيين) .
لأن عدم ذكر المتعلق يفيد العموم كما هو مقرر في علمي الأصول والتفسير .
فإن قيل : ولكن الآية جاءت في نصيب الذكر مقارنة بالإنثى، وليس في نصيبه منها، وهو سؤال متجه ؟!
فالجواب من وجهين :
الأول : أن يقال : إذا كان نصيبه حظ الأنثيين، فنصيبه من الإناث اثنتين من باب أولى .
الثاني : أن يقال : ما حظ المرأة من الرجال في النكاح ؟ فسيقال : واحد لا أكثر .
فسنقول عندئذ : (للذكرِ مثل حَظِّ الأنثيين) .
والله تعالى أعلى وأعلم وأجل .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
د. أبو محمد الموصلي