فائدة فقهية: (( التَّكبِيْرُ جَزْمٌ )) .
هذا الأَثر مروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، من طريقين:
الأَول: رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (2757) عن ابن مسعود، أنه قال: "التَّكبِيْرُ جَزْمٌ، وَالسَّلَامُ جَزْمٌ".
والثَّاني : رواه البيهقي في السنن الكبرى (2/16) عن ابن مسعود بلفظ: "التَّكبِيْرُ جَزْمٌ، وَالسَّلَامُ جَزْمٌ، لا يُـمَـدُّ وَلَا يُشَبَّهُ بالأَذَانِ".
وفي معنى هذا الأَثر من كلام بن مسعود رضي الله عنه تفسيران:
التفسيرُ الأَول: أنَّ معنى (التكبيرُ جزمٌ) يعني عدمَ المدِّ وعدمِ التمطيط، وهو قولُ كثيرٍ مِن أَهلِ العلمِ، ومِنهُم:
١. الإِمامُ الخطابي في معالم السنن (شرح سنن أبي داود) حيث ذكر أنَّ معنى الجزم في التكبير هو عدم المدّ والإطالة في لفظ الله أكبر.
٢. الإِمامُ ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري، حيث ذكر أن التكبير يجب أن يكون محكمَاً في النطق، بلا مد ولا تمطيط.
٣. الإِمامُ النووي في المجموع (شرح المهذب)، حيث قال: إِنَّ التكبيرَ يجب أَنْ يكونَ واضحَاً ومحكماً دون تمطيط زائد.
وهذا التفسير مأخوذ من دلالة كلمة [جزم] في اللغة، والتي تعني القطع والثبات، أي أَنَّهُ يُقال بحزمٍ من غيرِ تمييعٍ ولا مَدٍّ.
التفسيرُ الثَّاني: يقولُ إِنَّ معنى قولِ ابنِ مسعودٍ "التكبير جزم" هو أَنَّ التكبيرَ واجِبٌ مِن واجباتِ الصَّلاة، وليس مُجردَ سُنةٍ أَو مُستحبٍ، وهو قول بعض الفقهاء الذين استدلوا به على فرضية تكبيرة الإحرام وأهمية التكبيرات الانتقالية في الصلاة.
ومنهم:
١. الإِمامُ الطحاوي في (شرح معاني الآثار)، حيث أَورد هذا القول ضمن سياق إِثباتِ وجوبِ التكبيراتِ في الصلاة.
٢. الإِمامُ ابنُ حزمٍ في (المحلَّى بالآثار)، حيث ذهب إِلى أَنَّ التكبيرَ واجبٌ وجُزءٌ مِنَ الصَّلاةِ لا تصِحُّ بدونهِ، مُستدِلاً بهذا الأَثر.
٣. الإِمامُ ابنُ قدامة في (المغني)، حيث ذكرَ أَنَّ بعضَ العلماء استخدموا هذا الأَثر لإِثباتِ وجوبِ تكبيرةِ الإِحرام على وجهِ الخصوصِ.
أَقولُ: وكلا التفسيرينِ هو حَقٌّ؛ فالتفسيرُ الأَولُ قد بيَّنَ هيئةَ التكبيرِ، والثَّاني بيَّنَ حُكمُهُ.
وعليهِ؛ فليتنبهْ أَئمةَ المساجدِ ولا سيما في شهرِ رمضانَ عندَ تكبيرةِ الإِحرامِ، وتكبيراتِ الانتقالِ مِن أَنْ يخالِفوا هذا الأَثرَ السَّلَفِي ويخالفوا معهُ هؤلاء الأئمة الذين فسَّروا هذا الأَثر، فإِنَّ مِن تبعاتِ هذهِ المُخالفةِ أَنْ يُعَرِّضُوا صلاةَ المُؤتمينَ مِن خلفِهم إِلى البطلانِ؛ وذلكم بمسابقةِ هؤلاءِ المُؤتمينَ لهُم وتقدمِهِم عليهِم بالركوعِ والسَُجُودِ وسائرِ الانتقالاتِ، فضلاً عن تكبيرةِ الإِحرام والسَّلامِ؛ فتبطلُ - عِندَ جمهورِ العلماءِ - بِـفِـعـلِـهِـم هذا - صلاةُ مُؤتميهِم، وهم عنها غافلون.
والله من وراء القصد .
د. أبو محمد الموصلي