مما قرأَ الإِمام (١)
-----------------------
قوله تعالى: (مما خطيئاتهم أُغرقوا فادخلوا نارا) (نوح: ٢٥)
هذه الآية جمعت العقوبة الدنيوية (الغرق)، والعقوبة الأخروية (النار).
فـ(مِن) هنا سببية، أي بسبب خطاياهم.
والتعبير بـ"خطِيئاتهم" بالجمع مع صيغة التكسير للدلالة على الكثرة والتنوع والتعدد والتكرار.
و(ما) يمكن أن تكون زائدة؛ لتأكيد المعنى أَو للتبعيض، فالمعنى: بعض خطاياهم كانت كافية لإِهلاكهم.
و(أُغْرِقُوا) جاء بصيغة الماضي المبني للمجهول، للدلالة على أَنَّ الإِهلاك أَمرٌ قد مضى، والله هو الذي أَهلكهم، ولكن لم يُصرّح بالفاعل تعظيما له وللفعل.
وقوله: (فَأُدْخِلُوا نَارًا) الفاء للتعقيب، أَي بعد الغرق مباشرة.
وفي هذا دليل على عذاب القبر؛ لأَنَّهم لم يذهبوا مباشرة إلى يوم القيامة، بل بعد الموت أُدخلوا نارا؛ فإِدخالهم للنار متعقب للغرق، والغرق كان في الدنيا. فدل على أَنَّ دخولهم كان عقبها مباشرة وهو الدخول إلى محلة القبر، ومما يؤيد هذا المعنى هو تنكير لفظ (ناراً). ولم يقل: (النار)، مما يدل على نار البرزخ.
كما أَنَّ في الآية إِشارةً إِلى الحقيقية العلمية المكتشفة مؤخرا أَنًّ تحت البحار والمحيطات ناراً عظيمة.
وفي الآية تقابلاً عجيباً بين الغرق وهو (عذاب بالماء) و(عذاب بالنار). والله أَعلم.
د. أبو محمد الموصلي