جاء رجلٌ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له :
( يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الاثنين ..؟ )
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « ذاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فيه، ويَوْمٌ بُعِثْتُ، أو أُنْزِلَ عَلَيَّ فيه» رواه مسلمٌ .
في هذا الحديثِ إِشارات :
- منها : أنَّ يومَ المولدِ شرعاً هو يوم الاثنين، وهو يوم اسبوعي، متكرر، متفق عليه؛ وهو بهذا المعنى أفضل من اليوم السَّنوي، الواحد، المختلف عليه .
- ومنها : أنَّ يومَ المولدِ سببٌ للسنة والطاعة، وهو الصوم، لا سببٌ للبدعة والمعصية، كبعض أَنواع الذكر، وبعض المنكرات كالاختلاط .
- منها : أنَّ شُكرَ اللهِ تعالى على مولدِ النبي صلى الله عليه وسلم والاحتفال به عبادة، ولكنهُ عبادة مُخصَّصة بالشرع، لا بالرأي والاجتهاد . وقد خصَّصها الشرعُ وقيدها بالصَّوم فقط .
- ومنها : أنَّ يومَ المولدِ هو أحدُ أَسبابِ صومِ يومِ الاثنين التي يَفضُلُ بها على يومِ الخميس، وهي ثلاثة : ولادتهِ، وبعثهِ بالرسالة، ونزول القرآن عليه .
- ومنها : أنَّ عادةَ الشَّرعِ هي تعظيم جنسِ الأَيام الفاضلةِ كالجمعةِ والاثنينِ والخميسِ وعاشوراء وعرفة، لا تعظيم واحدٍ معينٍ دونَ أَخر .
- ومنها : جعلُ يوم مولدِهُ يوماً أسبوعياً لا يوماً سنوياً، وربطُهُ بالصَّومِ فيه فائدتان :
الأولى : تكثيرُ الخيرِ فيهِ بالصَّومِ كل أسبوع .
الثانية : الاحترازُ بصومِهِ من أن يُتخذُ عيداً، ومن علامات العيدِ الأكل والشرب فيهِ .
- ومنها : أنَّ كتُبَ السِّيَرِ لم تختلِفْ في تحديدِ يومِ وفاتِه، كما اختلفَتْ في تحديدِ يومِ ولادتِه .
وقد جاء يوم (١٢ / ربيع الأول /١١هـ )، ليربِطَ بينَ المناسبتَيْنِ؛ مناسبةِ الوفاةِ المجزومِ بها، مع مناسبةِ الولادةِ المظنونِ بها؛ في شهرٍ واحدٍ، وفي يومٍ واحدٍ ..!!
فإِذا نحنُ احتفلنا بالمولد النبوي نكون قد وقعنا في عدة مخالفات منها :
١- أننا احتفلنا بيوم واحدٍ، وتركنا الاحتفال المتكرر كل أسبوع به صلى الله عليه وسلم .
٢- أننا احتفلنا في اليوم المختلف فيه، وتركنا الاحتفال في اليوم المتفق عليه .
٣- أننا احتفلنا بالبدعة؛ لنشكر الله تعالى على إيجاده صلى الله عليه وسلم، وعلى بعثه، وعلى إنزال القرآن عليه .
والصحيح أن نحتفل بطاعته ولزوم سنته، والبقاء على عهده، وخصوصاً في صيام يوم الاثنين، وقد أكرمنا الله وشرفنا بهذه الأمور الثلاثة فيه .
وأخيراً .. إذا نحن احتفلنا بيوم المولد على ما هو معتاد عليه في بلاد المسلمين نكون قد خالفناهُ صلى الله عليه وسلم في ( تحديدِ جنسِ يوم المولد، وفي عدتهِ، وفي طريقة الاحتفال به ) .
فاللهَ اللهَ في الإتباع، فقد أحسن من قال : اقتصادٌ في سُنةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في بدعةٍ .
هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
د. أبو محمد الموصلي ..
