وقفات مع ليلة النصف من شعبان
سؤال / لماذا جمع الله بين المشرك والمشاحن دون غيرهما في قولِ النبي ﷺ : « يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» الصحيحة ..؟
الجواب/ لأَنَّ العلة الجامعة بينهما هي (الحب ونقيضها)؛ فعلة ذكر المشرك هي الإشراك في المحبة، وعلة ذكر المشاحن هي انتقاض المحبة (وهي من حق المسلم على المسلم) ، واستبدالها بالشحناء وهي العداوة والبغضاء .
فإن قيل : ولكن جاء في تفسير المشاحن بأنه المبتدع؛ كما ثبت عن الإمام الأوزاعي .
فالجواب/ وهذه أعظم الشحناء؛ لأنها مشاحنة للسنة وأهلها، وهم صفوة الله من خلقه .
فإن قيل : لماذا خص النصف من شعبان ..؟!
فالجواب/ لأن من عادة الشرع أن يجعل مواسم للمغفرة تكرماً من الله عز وجل وتفضلاً، وقد قرنها هاهنا بأعظم الأعمال؛ وهي سلامة الصدر ونزع الغل والحقد من القلوب، وقد جعل الشرع هذا التطهير يوميا وأسبوعيا وشهريا؛
- أما اليومي فحديث يروى عنه عليه الصلاة والسلام - فيه سنده كلام - وهو : ( ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا : رجل أمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان ) .
- وأما الأسبوعي؛ فقوله : عليه الصلاة والسلام : « تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيغفر فيها لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال : أنِظروا هذين حتى يصطلحا » . مسلم .
- وأما السنوي فهذا الحديث، وهو : « يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» الصحيحة .
فانظروا - يا من رحمكم الله وغفر لكم - كيف قرن الله سبحانه مغفرته لنا بمغفرة بعضنا لبعض وجعلها محطات لغسل النفوس وتطهير القلوب .
فإن قيل : لماذا النصف تحديداً ..؟!
فالجواب/ لأنه معدل القبول ومتوسط النجاح؛ وهذا من عادة الشرع عند استقراء النصوص؛ ومن أمثلة ذلك قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم تاب، والحساب الأخروي يكون أيضاً يكون عند هذا المنتصف . والله أعلم .
د. أبو محمد الموصلي .. منتصف شعبان / ١٤٤١ هـ