أحدث المقالات

جمع بين حديثين

جمع بين حديثين
المؤلف د. أَبو محمد الموصلي
تاريخ النشر
آخر تحديث



 جمع مع بين حديثين..


يسأل البعض عن الجمع بين حديثين حديث:
[إِذا خلوا بمحارم الله انتهكوها]
وحديث:

[كل أُمتي معافى إِلا المجاهرين]


والجمع بينهما من عدة أَوجه:

١. التفاوت في السياق لا في المعنى:
فحديث {إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها} يصف حال طائفة من الناس، أي من يظهر الصلاح أمام الناس، لكنه إذا خلا بنفسه ولم يره أحد، اجترأ على معصية الله. أما حديث {كل أمتي معافى إلا المجاهرين} فهو وعيد لمن أذنب ثم جاهر بمعصيته أمام الناس، فيفضح نفسه وقد ستره الله.
فالحديث الأَول عن السرِّ الخالص مع الله، والثاني عن الإِظهار والتفاخر بالمعصية أَمام الناس.

٢. الستر والمجاهرة:
فالحديث الثاني يدل على من خلا بمعصية، لكنه استمر واستغفر وتاب وندم، فهو داخل في العفو والستر، وقد يكون ممن عُفي عنهم؛ لأنه لم يجاهر ولم يصر، وأما الحديث الثاني فلمن أصر على المعصية، أو جاهر بها، أو تباهى بها، فهو داخل في وعيد حديث المجاهرين.

٣. النية والخشية:
من الناس من قد يقع في الذنب خفية، لكن يكره فعله، ويخاف الله، ويستحي منه، فهؤلاء مرجو لهم المغفرة.
وأما حديث "إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها"، فقد يُفهم منه أن الشخص إذا غاب الرقيب البشري زالت خشيته لله، وكأنما لا يراقبه الله كما يراقب الناس، فهو ذم لضعف الإيمان بالله، لا مجرد الوقوع في الذنب خفية.

والخلاصة:
أن حديث {إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها} يذم من لا يخاف الله إذا غاب الناس.
وحديث {كل أمتي معافى إلا المجاهرين} يذم من يفضح نفسه بعد أن ستره الله.

      فالعبد متوعد أذا فعل الذنب خلوة، ولكنه قد يعافى إذا لم يتحدث به. فهو إن دخل في الوعيد في الأول فقد يخرج منه في الثاني. 
وعليه؛ فمن أذنب خلوة فهو متوعَّد بقدر جرأته على محارم الله، فإن استتر فهو في عفو الله ومعافاته، وإن جاهر بذنبه فقد جمع بين الذنب والفضيحة، فاستحق الوعيدين.

فيا عبد الله:
إياك ومحارم الله إذا خلوت، فإن الذي يراك في العلن يراك في السرّ، وما حملك على المعصية إلا ضعف الحياء من الله.
فاحذر أن تكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها}؛ فإن هذا وصف لقلب لا يعظم الله حق تعظيمه.
ولكن، إن زللتَ يومًا، فإياك أن تفضح نفسك أو تفاخر بذنبك، فإن الله يحب الستر، ويقبل التوبة، ويعافي من استتر بذنبه ولم يجاهر به.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين".
فإن خلوت بمعصية، فاجعل بينك وبين الله دمعة ندم، وسجدة استغفار، وعزيمة على التوبة، تكن من المعافين المرحومين، لا من المجاهرين المحرومين. والله يتولى الصالحين.

د. أبو محمد الموصلي

تعليقات

عدد التعليقات : 0