-------------
✓ الإضاءة الأولى :
جاء في صحيح البخاري عن الأسود بن يزيد، قال سألتُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها : ما كانَ يصنعُ النَّبيُّ في أهلِهِ ؟ فقالت : (كان يكونُ في مِهْنَةِ أهلِهِ ، فإذا حضرتِ الصَّلاةُ خرجَ) .
قلت: في هذا الحديث شاهد على أن عمل البيت هو من شأن المرأة لا الرجل إلا ما يكون من باب المساعدة تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذا بوب له البخاري رحمه الله بـ(باب من كان في حاجة أهله، فأقيمت الصلاة، فخرج) . وحاجة أهله أي مساعدتهم، وبيان ذلك في قول عائشة رضي الله عنها : (كان يكونُ في مِهْنَةِ أهلِهِ)؛ فالإضافة هنا لمعنى الاختصاص، وهي أكثر ما يقع في الإضافات، أي أن أعمال الببت هي خاصة بالمرأة، والفعل منه صلى الله عليه وسلم يدل على استحباب مساعدتهم في ذلك، وهو مما يلزم الأزواج من حسن التأسي يه صلى الله عليه وسلم .
✓ الإضاءة الثانية :
جاءت في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - إضاءة أخرى، وهي قوله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ومسئولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته" متفق عليه.
قلت: فجعل المرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عنها، وهذه الرعاية والمسؤولية تستلزم وجوب خدمة البيت وعدم تضييعه .
وفي هاتين الإضاءتبن إشارة واضحة على وجوب عمل المرأة في بيت زوجها، والله أعلم .
ولم أطلع على من إشار إلى ذلك من شراح الحديث وأهل الفتوى (مع / لِـ) وضوحه .
... ... ... ... ... ...
تحرير المسألة :
--------------------
وقد اختلف أهل العلم في وجوب عمل المرأة في بيت زوجها، فذهب الجمهور(الشافعية والحنابلة وبعض المالكية) إلى أنها لا تجب عليها، وذهب الأحناف وجمهور المالكية وبعض أهل العلم على وجوبها؛ حتى قال أبو ثور : عليها أن تخدم زوجها في كل شيء .
والراجح عندنا الوجوب؛ لأدلة كثيرة منها :
١- أنه هو العرف الذي كان سائدا ولا يزال، وقد أقره الله تعالى في كتابه، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته، والأصل حمل العقود المطلقة كالنكاح وغيره على العرف السائد، ومن قواعد أهل العلم : أن المعروف عرفا كالمشروط شرطا .
٢- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه بخدمته؛ فيقول : يا عائشة أطعمينا، يا عائشة علمي المدية، واشحذيها بحجر .
٣- قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم"، والعاني: هو الأسير، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده، والنكاح نوع من الرق، ولذا ورد عن بعض السلف : النكاح رق؛ فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته.
٤- حديث علي وفاطمة رضي الله عنهما، وأنها كانت تشتكي من الخدمة، وما تلقى يديها من الرحى، وتسأله خادما ولم تجد، ولم يقل لها النبي صلى الله عليه وسلم أنها ليس واجبة عليك، بل حكم عليها بالخدمة الباطنة؛ وحكم على علي بالخدمة الظاهرة، والخدمة الباطنة كالعجين والطبخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء، وسائر أعمال البيت .
٥- حديث أسماء والزبير، وأنها قالت : كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكنت أسوسه، وكنت أحتش له، وأقوم عليه، وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجن وتنقل النوع على راسها، وكان العلف على رأسها تحمله، والزبير حاضر، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم، بل أقر سائر الصحابيات على العمل والخدمة في بيوت أزواجهن.
٦- أن الأصل هو أن تكون خدمة الرجل في الخارج، والمرأة عليها الخدمة في الداخل، وهذا من تمام قوامة الرجل على المرأة التي ذكرها الله في القرآن، قال تعالى : (الرجال قوامون على النساء)، وقال : (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).
قال شيخ الإسلام في الاختيارات : "وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة " ورجحه ابن القيم في زاد المعاد، وقال ابن عثيمين في الممتع : " والصحيح أنه يلزمها أن تخدم زوجها بالمعروف ' .
أبو محمد الموصلي ..