أحدث المقالات

التأمل بين التفكر والتدبر

التأمل بين التفكر والتدبر
المؤلف د. أَبو محمد الموصلي
تاريخ النشر
آخر تحديث



 التأمل بين التفكر والتدبر 
 
   ينبغي للناظر في كتاب الله، والمتأمل في آياته أن يكون نظره نظر الطالب، وتأمله تأمل السائل؛ فقد أُمِرنا بالتدبر في آيات الله الشرعية، كما أُمِرنا بالتفكر في آيات الله الكونية .
 والمتأمل الحق هو الذي ينظر فيهما بتأنٍ واستمرارٍ؛ ليقف على حقيقتهما ويصل إلى الغاية منهما .

      فالتفكر يكون في الصور المحسوسة والآيات الملموسة؛ لإدراك حقائقها المطلوبة منها، والاتعاظ بها إجمالا وتفصيلا؛ فقد كان سفيان رحمه الله كثيرا ما يتمثل : 

       إذا المرءُ كانت لَهُ فكرةْ ففي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ عبرةْ

      أما التدبر فيكون في المعاني المعقولة، والآيات المتلوة المقروءة؛ لإدراك عواقبها المحمودة، وغاياتها المقصودة .

      ففي التفكر تتجلى صفة المخلوق، وفي التدبر تتجلى صفة الخالق، وقد جمع الله بين الأمرين وضمهما إليه فقال : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) .

       فانظر كيف استفتح آيةٓ الآياتِ بهذه العائدية المطلقة لهما؛ ليخبرنا أن كل شَيْءٍ (من / في) مبدأهُ إلى منتهاهُ هو لَهُ سبحانهُ وتعالى، وقد حذف متعلق الخبر منهما والمتقدم للحصر؛ لإفادة العموم؛ كونهُ جمع بين نقيضين لكلٍّ منهما متعلقاتهُ الخاصة بهِ .
وتقديم الخلق على الأمر؛ من باب تقديم السبب على المسبب؛ فالأمر أعظم من الخلق وأشرف، بل هو أصل له .

فإن قيل : لمَ خُصَّ التفكر بالآيات الكونية غالبا، والتدبر بالآيات الشرعية ..؟!

فالجواب : إن التفكر يقتضي وجود صورة المتفكر فيه في القلب؛ ولهذا روي ( تَفَكَّرُوا فِي آلاءِ اللَّهِ وَلا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ ) .
 
      أما التدبر فمأخوذ من الدبر، وهو أخر الشيء ومآله ومقصده وغايته، فالتفكر يكون في صور الأشياء للوصول إلى معانيها وحقائقها، والتدبر هو النظر في المقدمات العقلية للوصول إلى نتائجها وعواقبها ومآلاتها؛ فالتفكر حسي والتدبر عقلي .

     وقد يجتمع التفكر والتدبر في آيات الله الشرعية؛ فيكون التفكر باعتبار صور الألفاظ وتراكيبها وأصواتها وعلامات ترقيمها ..إلخ للوصول إلى فهم حقائقها ومعانيها . 

      ويكون التدبر في هذه المعاني وحقائقها للوصول إلى فقه مقاصدها وغاية تأويلاتها، وبذلك يكون التفكر وسيلة للتدبر، كما أن الفهم وسيلة إلى الفقه .

أبو محمد الموصلي ..

تعليقات

عدد التعليقات : 0