من حديث الطاعون
➖➖➖➖➖➖
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى صحبه وآله .
وبعد.. فإن فوائد حديث الطاعون تربو على مضاره؛ فإن أعظم ما يضر به الطاعون هو الموت، وأنفع ما يأتي به هو الشهادة؛ وكل كل شيءٍ مع الشهادة هَـيِّـنٌ لَـيِّـنٌ .
واليوم سنتكلم عن أَهم الفوائد عن هذا الحديث العظيم؛ فأقول والله الموفق والمعين :
🌿 حديث الطاعون 🌿
جاء ﻓﻲ " اﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ " ﻋﻦ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ: أنه سمع ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ (ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ) : «اﻟﻄﺎﻋﻮﻥ ﺭﺟﺰ ﺃﺭﺳﻞ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ، ﻭﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻠﻜﻢ، ﻓﺈﺫا ﺳﻤﻌﺘﻢ ﺑﻪ ﺑﺄﺭﺽ، ﻓﻼ ﺗﺪﺧﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺇﺫا ﻭﻗﻊ ﺑﺄﺭﺽ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﺨﺮﺟﻮا ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺮاﺭاً ﻣﻨﻪ» .
🌿 أهم فوائد الحديث 🌿
◾ الفائدة الأولى : سبب تسميته :
فقد سمي الطاعون طاعوناً؛ لكثرة طعنه في الناس وشدته؛ فهو من أعظم الأوبة فتكاً بالبشرية كماً ونوعاً ؛ ولعل هذا السبب هو ما جعل أهل اللغة كالخليل وابن منظور والفيروز آبادي وغيرهم يجعلونه مرادفاً للوباء؛ فإن هذا ما تصنعُهُ الأوبئة أيضاً؛ ولكن الراجح أنه نوع منها، وليس جنساً لها، كما تقدم في المقال السابق .
◾الفائدة الثانية : عِليِّةِ الطاعون :
فإِنَّ حِكَمَ الطاعون من الأحكام المعلولة المعنى لا التعبدية فيه؛ ولكن عليتهُ ليست في اسمه كما ذهب عامة أهل اللغة، ولكن في رسمه وأثاره كما ذهب المحققون من أهل العلم .
◾ الفائدة الثالثة : القياس عليه :
ذهب بعض العلماء إلى قياس سائر الأوبئة على الطاعون في أَجره وإثمه المخصوصين، وفي حكم تحريم الفرار منه .
فأما القياس في أجره وإثمه المخصوصين.؛ فمتعذر؛ لأنهما وردا شرعاً في الطاعون؛ وهو أخص من سائر الأوبئة؛ ومع ذلك فإنهُ يرجى إحتساب الأجر في أمثاله من الأوبئة أيضاً؛ فإِنَّ فضلَ اللهِ واسعٌ، وعطاءَهُ جميلٌ .
وأما قياس تحريم الفرار؛ فقد نقل السيوطي الإجماع على عدم القياس . فإن صح الإجماع؛ وإلا فالعلة فيهما واحدة؛ والشريعة ﻻ ﺗﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻣﺘﻤﺎﺛﻠﻴﻦ .
◾ الفائدة الرابعة : عقيدة وعمل :
أَشار الحديث إلى عقيدة التوكل وواجب الأخذ بالأسباب؛
فقوله : « ﻓﺈﺫا ﺳﻤﻌﺘﻢ ﺑﻪ ﺑﺄﺭﺽ، ﻓﻼ ﺗﺪﺧﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ » .
إشارة إلى وجوب الأخذ بالأسباب والعمل عليها .
وقوله : « ﻭﺇﺫا ﻭﻗﻊ ﺑﺄﺭﺽ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﺨﺮﺟﻮا ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺮاﺭا ﻣﻨﻪ» إشارة إلى عقيدة التوكل والرضا بقدر الله والتسليم له .
◾ الفائدة الخامسة : تأصيل ورد :
كما أن في الحديث رد على المعتزلة القدرية والأشاعرة الجبرية؛
فقوله : «ﻓﺈﺫا ﺳﻤﻌﺘﻢ ﺑﻪ ﺑﺄﺭﺽ، ﻓﻼ ﺗﺪﺧﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ» .
تعريض بالجبرية؛ لأنهم ينفون الأسباب وينكون تأثيرها .
وقوله : «ﻭﺇﺫا ﻭﻗﻊ ﺑﺄﺭﺽ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﺨﺮﺟﻮا ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺮاﺭاً ﻣﻨﻪ» .
تعريض بالقدرية؛ تعريض بالقدرية؛ لأنهم يثبتون الأسباب، ويجعلونها مؤثرةً بنفسها دون أمر الله؛ وعليه يجب في عقيدتهم هذه الفرار منه .
◾ الفائدة السادسة : تخصيص علة الحديث :
جاء النهي عن عدم الخروج من أرض الوباء معلقاً بعلة الفرار؛ فهل يجوز الخروج لغيره من العلل ..؟!
ذهب كثير من أهل العلم قديماً وحديثاً إلى جواز الخروج لغرض غير الفرار من الموت؛ كالسفر للعلاج أو لأمر طارئ مهم . وهذا القول صحيح شرعاً، ويمكن حمله على الحالات الاستثنائية . وسيأتي مزيد بيان في الفائدة التاسعة .
◾ الفائدة السابعة : عِلَلٌ أُخرى :
العلة من تحريم الخروج من أرض الوباء إلى الأرض الصحيحة لا تقتصر؛ على علة الفرار وهي علة شرعية سلبية تحمل معنىً اعتقادياً؛ وهو الهروب مما قدر . وإنما هناك علل أخرى كنقل المرض والعدوى به، كما في حديث « لا يوردن ممرض على مصح» .
◾ الفائدة الثامنة : أَعظمُ عِلَلِ الحديثِ :
وأما العلة الشرعية الإيجابية فهي أن عدم الفرار تعني القرار في الأرض التي وقع فيها الطاعون طاعةً للهِ ولرسوله، والرضا بقدر الله والتسليم له؛ ومجاهدة النفس على ذلك ، وهذا نوع من الجهاد يكون فيه مواجهة الموت كمواجهته في ساحة المعركة بل أشد؛ ولذا كانت البشارة لمن يموت بالطاعون كالشهيد، وكانت النذارة لمن يفر منه كالفار من الزحف .
◾ الفائدة التاسعة : تنقيح العلة :
إن الفرار من الطاعون إذا كان الفار يعتقد أنه بفراره سوف ينجو من الموت، وأنه إذا ما بقى فإنه سيموت؛ فإن هذا اعتقاد فاسد مصادم للنصوص؛ وقد روى ابن كثير عن طارق بن شهاب البجلي قال: أتينا أبا موسى وهو في داره بالكوفة لنتحدث عنده، فلما جلسنا قال : لا تحفوا فقد أصيب في الدار إنسان بهذا السقم، ولا عليكم أن تتنزهوا عن هذه القرية فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها؛ حتى يرتفع هذا البلاء؛ فإني سأخبركم بما يكره مما يُتَّقى من ذلك ( أن يظن من خرج أنه لو قام مات، ويظن من أقام فأصابه ذلك؛ أنه لو خرج لم يصبه، فإذا لم يظن ذلك هذا المرء المسلم فلا عليه أن يخرج وأن يتنزه عنهُ )، وذكر فعل عمرو بن العاص في طاعون عمواس وإقرار عمر لفعله .
قلتُ : وهذه فائدة تشد لها الرحال .
◾ الفائدة العاشرة : أفضل ما قيل في الطاعون :
عن عبد الله بن رافع قال: لما أُصيب أبو عبيدة بن الجراح في طاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل ، واشتدّ الوجع فقال الناس لمعاذ بن جبل ادعُ الله أن يرفع عنا هذا الرجز ، فقال : ” إنه ليس برجز ، ولكنه دعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، وشهادة يختصُّ الله بها من يشاء من عباده منكم “ .
◾ الفائدة الحادية عشرة : أبرز من مات بالطاعون :
أبرز من مات في طاعون عمواس من الصحابة أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وبلال بن رباح، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، ويزيد بن أبي سفيان، وضرار بن الأزور، وشرحبيل بن حسنة، وسهيل بن عمرو، وغيرهم من أشراف الصحابة .
ومن الذين ماتوا بالطاعون من العلماء ابن الوردي مات في طاعون حلب، وتاج الدين السُبكي صاحب طبقات الشافعية الكبرى ، ومحمد الزبيدي صاحب مؤلف تاج العروس في شرح القاموس، وغيرهم .
فاللهم عافنا واعف عنا وعلى غيرك لا تكلنا وتوفنا وأَنت راضٍ عنا . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
د. أبو محمد الموصلي .. ٢٤ / رجب الخير / ١٤٤١ هـ .