أحدث المقالات

تحليل مقولة الأَب رب

 تحليل مقولة الأَب رب
المؤلف د. أَبو محمد الموصلي
تاريخ النشر
آخر تحديث

الأب رب  مقولات العوام  المذاهب الفقهية  النبي أب للمؤمنين  وصف غير الله بالرب  د. أبو محمد الموصلي


كشف اللثام عن مقولات العوام: تحليل مقولة "الأب رب"

تنتشر بين الناس مقولات أشبه بالحكم والأمثال، تجري على ألسنتهم أكثر من الأدلة الشرعية. كثيرون لا يعلمون مستندها وحقيقتها، بل توارثوها كأيّ موروث شعبي. بعض هذه المقولات يحمل معاني صحيحة، وبعضها باطل، ومنها ما يحتمل المعنيين. يجب أن يكون الحكم عليها بمنطق الكتاب والسنة، بعد معرفة تأصيلها ومقاصدها.


تأصيل القول الأول: "الأب رب"

يذكر الناس هذه المقولة لبيان فضل الأب ومكانته ومسؤولياته في الأسرة. وهذا حق لا ريب فيه؛ فالأب سبب رئيس في كيان الأسرة ونموها.

بلاغة الكلمة: تُعد هذه المقولة من التشبيه البليغ في البلاغة العربية، الذي حُذفت منه أداة التشبيه ووجه الشبه. أصلها: "الأب كالرب في المكانة والرعاية"، فتكون حينئذٍ مشتملة على الحق الذي له والحق الذي عليه.


أصل المقولة ومسائل فقهية

تُنسب هذه المقولة للفيلسوف الكندي أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (185هـ-256هـ)، حيث قال: "الأبُ ربٌّ، والجدُ كدٌ، والولدُ كمدٌ، والعمُ غمٌّ، والخالُ وبالٌ، والأَقاربُ عقاربٌ، وإِنَّما المرءُ بصديقِهِ". كما أنها وردت في الكتاب المقدس (العهد الجديد).

مسألة علمية: هل يجوز وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالأب لأُمتهِ؟

لقد وردت في قراءة شاذة عن ابن عباس: "(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم)". والمراد بالأبوة هنا الحرمة لا النسب، فالنبي أب للمؤمنين أبوة دينية، بمعنى أنه يربيهم ويرشدهم. ولا تعارض مع قوله تعالى: "(مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ)"، لأن الأبوة المنفية هي أبوة النسب، بينما المثبتة هي أبوة التربية والرعاية.

مسألة ثانية: هل يجوز وصف غير الله بالرب؟

تُعد هذه المسألة خلافية. فقد نُهي عن قول "أطعم ربك"، وثبت في القرآن والسنة إضافة الرب لغير الله، كقوله تعالى: "(اذكرني عند ربك)".

الخلاصة:

  • ذهب بعض العلماء إلى أن النهي كان في شرع من قبلنا وقد نُسخ في شرعنا.

  • يرى آخرون أن النهي للكراهة وليس للتحريم.

  • الرأي الأرجح أن النهي محمول على إضافة لفظ الرب إلى العقلاء فقط، كما في الحديث.


خلاصة الحكم في مقولة "الأب رب"

مقولة "الأب رب" مقولة فصيحة المبنى وصحيحة المعنى، ولا محذور فيها للأسباب التالية:

  1. جاءت على سنن البلاغة في التشبيه البليغ، فهي ليست وصفًا حقيقيًا.

  2. غرضها هو بيان مكانة الأب ومسؤوليته، وهي من مقاصد الشرع.

  3. مقاصد المتكلمين منها لا تخرج عن إرادة التشبيه في الفضل والرعاية.

  4. لم يُنقل عن أحد من العلماء نهيه عن هذه المقولة، رغم شيوعها.

وفي الختام، لا مانع من تشبيه الأب بالرب أو العكس أحيانًا لغرض مباح. يصح أن يقال: "الأب رب، والرب أب"، ولكن يُفضل ترك استعمال الثاني سدًا لذريعة التشبه بالنصارى.

د. أَبو محمد الموصلي

تعليقات

عدد التعليقات : 0