أحدث المقالات

الاشتراط في العلم

الاشتراط في العلم
المؤلف د. أَبو محمد الموصلي
تاريخ النشر
آخر تحديث


الاشتراط في العلم ذكروا في قصة الآلوسي في اشتراطهِ على تلميذه محمد بهجت الأثري نسخه لكتاب (بيان تلبيس الجهمية)؛ لقبوله في الدراسة، وفي القصة عدة دلالات أخرى، والمشكل أن بعض الرواة الذين نقلوا هذه القصة، فضلا عن قرائهم، تعلقوا عند نشرها بدلالة الاشتراط، دون غيرها، والمشكل الأكبرأنهم أخذوا هذه الدلالة على الطلب، لا على الإخبار، كما هو الظن بصاحب القصة الأصلي، فإنه في غالب الظن - وإن كنت لا أعرفهُ - من طلبة العلم، لا من نقلته. والحاصل: أن الاشتراط في العلم أمر نسبي غير مطرد، فما يصلح في عصر أو مصر قد لا يصلح في غيرهما، وما يصلح مع قوم قد لا يصلح مع غيرهم، وللتدليل على هذه المسألة سأذكر ثلاثة أمثلة من عصور مختلفة، - فمن العصر الأول؛ قول علي بن أبي طالب رضي الله عنهُ لكميل: "إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً، وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً". فها هو يشتكي قلة طلبة العلم في القرون الخيرة، فهل تراه مع ذلك يشترط على الطالبين. - وهذا الإمام الشافعي كما في طبقات الشافعية يقول لتلميذه الربيع بن سليمان، وكان بطيء الفهم: "يا ربيع.. لو قدِرتُ أن أطعمك العلم لأطعمتُك إياه..!" فهل رأيتم دلالاً لطلبة العلم مثل هذا..؟!. - وهذا الإمام ابن عثيمين رحمه الله يقول عن شيخهِ السعدي رحمه الله:"والحقيقة أن انتقال والدي رحمه الله إلى الرياض كشف لي مدى الحب الذي يكنّه لي الشيخ السعدي رحمه الله، إذ أصر في طلب بقائي بجواره في عنيزة للاستزادة من العلم، وكاتب والدي فوافق، فبقيت بجوار الشيخ السعدي". فانظر إلى حرص الشيخ على طلابه والتمسك بهم. فهذه بعض الأمثلة على طلب الشيوخ لطلبة العلم، واحتفائهم بهم، والحرص على التمسك بهم وتعليمهم، بلا شروط ولا قيود. وقبل هذا وذاك، فإن الأصل في نصوص الكتاب والسنة هو الإيصاء بطلبة العلم خيرا، وتعليمهم بلا شروط ولا قيود، والأدلة في ذلك أشهر من أن تذكر، ومع ذلك فلا يقال ببدعية الاشتراط، لسببين: الأول:أن الاشتراط قد ثبت في بعض أدلة الكتاب والسنة: - فمن الكتاب قول الخضر لموسى: ﴿قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعۡتَنِی فَلَا تَسۡـَٔلۡنِی عَن شَیۡءٍ حَتَّىٰۤ أُحۡدِثَ لَكَ مِنۡهُ ذِكۡرࣰا﴾، فجعل عدم سؤاله شرطاً لاتباعه المقتضي لتعليمه. - ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم حين بَعَثَ مُعَاذًا إلى اليَمَنِ:"ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ.. "الحديث عند البخاري. فجعل التوحيد شرطا في التعليم. الثاني:أن طلب العلم وتعليمه من باب الوسائل، ولذا يجوز الاجتهاد فيه بحسب المصلحة، والاشتراط نوع اجتهاد. ونكتة المسألة: أن الاشتراط في العلم يجوز عند ثبوت المصلحة وتحققها، ويمنع عند ضعفها وانتفائها. وضابط الاشتراط في العلم كما أفادنا شيخنا الفاضل أبا أسامة حفظه الله: هو أن تكون المصلحة متعلقة بمنفعة المتعلم في طلبه للعلم، لا منفعة المعلم. والذي أراه اليوم أَنَّ الأَصلحَ منعُ الاشتراط العام؛ لقلة الطلب، وكثرة الهرب، وضعف الهمم، وإِنْ كان ولا بد ففي الاشتراط العيني غاية المقصود. وجامعة الأدلة بين المنع والوجود. والله تعالى أَعلى وأعلم. د. أبو محمد الموصلي.. ١٣ / ذو الحجة / ١٤٤١هـ.

تعليقات

عدد التعليقات : 0