أحدث المقالات

الورع البارد

الورع البارد
المؤلف د. أَبو محمد الموصلي
تاريخ النشر
آخر تحديث


الورع البارد
 قد ينكر البعض بعض الأبيات الغزلية، والتي في غالبها يراد به المعنى المجازي غير الغزلي، أو يتهم قائلها بجريرة الحب والعشق . وكانه لم يقرأ السيرة او ينظر في سير العلماء ومصنفاتهم. فقد ذكرت كتب السير أن كعب بن زهير رضي الله عنه قدم المدينة خِفيةً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعده بسبب أبيات قالها، فنزل على أخيه بُجير، فلما صلى النبي بهم صلاة الفجر قام فأنشده قصيدته المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول فخلع النبي صلى الله عليه وسلم عليه بردته الشهيرة والتي اشتراها بعد ذلك معاوية رضي الله عنه، فكان خلفاء بني أمية يتداولونها بعده، وذكر السيوطي في الإتقان من علوم القرآن: أن ابن عباس رضي الله عنه قطع حديثه مع جلسائه ليسمع من عمر بن أبي ربيعة شعره . ولذا قال العلامة الإمام الشنقيطي: "واعلم أن التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام ، حسنه حسن، وقبيحه قبيح". قلت : بل هو حديث ثابت صحيح. وقد ثبت عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم قول الغزل وكان في الصحابة رضي الله عنهم شعراء كبار، وكذلك كان كثير من علماء السلف الصالح من التابعين ومن بعدهم. وثبث عن بعض الأئمة وأهل العلم، كابن الجوزي وابن حجر، وألف بعضهم في ذكره المولفات، كابن حزم في طوق الحمامة، وصديق حسن خان في نشوة السكران وغيرهم. وكم نقل ابن القيم في مصنفاته من أبيات الغزل والحب. والحاصل: إن الغزل والمدح والرثاء هي مواضيع عامة تحاكي مشاعر إنسانية، فيها ما هو جائز، وفيها ما هو ممنوع، أما المنع المطلق فلا يستند إلى دليل علمي؛ لذا عده أهل العلم من الورع البارد، وفي الغالب أن من يقر هذه المواضيع يكون أعلم ممن ينكرها سواء في هذه المسألة أو في أمثالها؛ لأنها تدل على أن لديه فطرة سليمة، وعقل سوي، وعلم مفصل، أما "الإنتهاض لمجرد الاعتراض فمن جملة الأمراض"، كما قال الإمام البلقيني رحمهُ الله. وقبل أن أختم قالتي هذه أحِبُّ أن أهديكم هذه النصيحة: إذا ارتبتم في مسألة ما ولا سيما من أهل العلم والفضل، وقطعاً لست منهم؛ فلا تنكروها عليهم ابتداءً، ولكن اجعلوها منكم كالسؤال لهم، فإن أجابوكم وجاءوكم بالحجة سلمتم، وإلا فأنتم وشأنكم. وهذه طريقة سلفية مستقراة من سيرة بعض أهل العلم كالشيخ الألباني وابن عثيمين وغيرهم، فامسكوا بغرزهم؛ تفلحوا. والله الموفق.

تعليقات

عدد التعليقات : 0